بث تجريبي

مؤتمر الكرد: خطوة نحو الوحدة والسلام السوري

يمضي الكردي نصف وقته يثبت فيه لشركائه التاريخيين أنه غير انفصالي بل وقع عليه فعل الانفصال. وفي وقت قسمت فيه سكاكين نظام الهيمنة قبل مئة عام؛ المنطقة لاثني وعِشرين دولة عربية، وأنشأت دول وبلدان أخرى، فقد تم تقسيم كردستان والكرد على أربع أجزاء في أربع دول معلنة لأول مرة على جغرافيات مستحدثة بالشكل الحديث. رغم ذلك فإن الكرد لهم مساهمات وطنية من مستويات عدة: الذود لحماية شعوب المنطقة. ولدينا في ذلك أمثلة لعشرات من المعارك الوطنية التي خاضها الكرد وشركائهم من الأجزاء الأربعة لسنا في وارد ذكرها اللحظة.

الكرد في سوريا انقسموا على أنفسهم من خلال قراءات متباينة للثورة السورية والطرق التي يجب أن تسلك والتحالفات السياسية التي تأسست؛ رغم أنهم بدأوا سوياً في الهيئة الكردية العليا التي تأسست من مجلس غرب كردستان والمجلس الوطني الكردي في العام 2013. لكنهم سرعان ما اتخذوا خيارات مختلفة مدة سبع سنين مع اطلاقهم حواراً بدء في العام 2020 جراء مبادرة أطلقها الجنرال مظلوم عبدي والتحالف الدولي. تعرض هذا الحوار للتعثر ونابه الجمود، ليدب فيه الحراك والحياة ويختم بعقد مؤتمر الكرد لتوحيد الرؤية السياسية الكردية في سوريا، نجم عنها وثيقة سياسية تتألف من 15 مادة متعلقة بالشأن الوطني السوري وتأسيس نظام سياسي لا مركزي؛ تتشكل فيه هوية سورية جامعة ودولة متماسكة هي دولة المواطنة التي تقف المسافة نفسها نحو قوميات واثنيات وأديان وطوائف ومعتقدات سوريا. كما أن هذه الوثيقة خصصت إحدى عشرة مادة عن الحقوق الكردية في سوريا وفق العهود والمواثيق الدولية ضمن الإطار الوطني العام. وأكدت على ضرورة التعلم والتعليم باللغة الكردية وعدها لغة رسمية في البلاد إلى جانب لغات وطنية أخرى في الوطن السوري. إضافة لمواد أخرى تعزز السياق العام للوثيقة التي تصون وحدة البلاد وسلامتها وسيادتها على كل أنحاء سوريا بما فيها المحتلة.

لقد تم استبعاد الكرد عن العملية السياسية السورية طيلة سنوات الأزمة السورية حتى اسقاط النظام في 8 كانون الأول- ديسمبر العام الفائت. عن 21 اجتماع جرى في استانا، وعن 11 جرى في جنيف. لقد قلنا كثيراً عن ذلك؛ اعتباراً بأن الإدارة الذاتية -التي شكلت بدور ريادي للكرد إلى جانب العرب والسريان الآشوريين ومكونات سورية أخرى- تشكل جوهر معادلة الحل السوري في شقين متداخلين: محاربة الإرهاب وتجسيد التغيير السوري الذي يلزم وخرج من أجله شعب سوريا في منتصف آذار 2011، وأن غياب الإدارة الذاتية والكرد من ذلك بشكل خاص من أي مجرى سوري فإنه لا يعول عليه. لكن الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا سلكت الدرب النمطي نفسه. ثلاث مرات: حين اعلان الحوار الوطني، حين اعلان الإعلان الدستوري، وحين تشكيل حكومة مؤقتة. لقد غيب الكرد من ذلك ثلاثاً، ورغم اعلان اتفاق 10 آذار بين الإدارة الانتقالية الجديدة وقائد قوات سوريا الديمقراطية لكن في الحقيقة كانت خطوة الاعلان الدستوري وتشكيل الحكومة تحايلاً عليها؛ يلزم معالجة ذلك وتعديله بشكل ينسجم مع حقيقة سوريا وحاجتها إلى مرتكزات الانطلاق نحو الجمهورية السورية الثالثة.

إنها رسائل السلام لكل شعوب المنطقة وبشكل خاص لشعب سوريا جاءت من الوثيقة السياسية الكردية التي نالت اجماع الشعب الكردي وقواه السياسية في سوريا، ومباركة من قوى سياسية في تركيا وإيران، ورعاية إقليم كردستان العراق وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. (كانت ستكون فرحة عارمة وجود بلدان عربية في مستوى بلدان الخليج وجمهورية مصر العربية) التي تزخر بيانات رسمية من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بضرورة وجود دور عربي وازن في العملية السياسية السورية من مختلف مستوياتها واشراف مباشر لحل جميع قضاياها في مقدمتها القضية الكردية على اعتبارها قضية وطنية سورية بامتياز.

إنها الخطوة الأكثر تماسكاً نحو استقرار المنطقة في مقدمتها سوريا التي يشكل الكرد جزءاً مهماً من تاريخها وحاضرها ومستقبلها. ولا مبرر لأي تخوف أو تشكيك في شاكلة ما جاء من رد غير منصف من قبل رئاسة المرحلة الانتقالية في سوريا. لقد كان رداً متسرعاً، ويوجد ردود أفضل منها بكثير في مثال ما جاء من قبل أحزاب وطنية سورية كما حال الإرادة الشعبية وحزب تيار اليسار السوري وشخصيات سورية أكاديمية أفنت عمرها في العمل النضالي والسياسي وقضت سنوات طويلة في سجون نظام الأسد الأب والابن؛ اللذان وقعا في فخ النمطية وأوقعهما مركزية شديدة فرّخت ظواهر غريبة عن المجتمع السوري، وأحدثا من خلال استبدادهما المركزي شقوقاً في البنية السورية وتشظياً في واقعها المجتمعي لن ننتهي منه ولا نتعافي منه سريعاً.

التأكيد على شكل حوكمة جديدة لسوريا من خلال سوريا لا مركزية حتى إن كانت لا مركزية سياسية فإن ذلك لا يعني المساس بصلاحية المركز الأساسية السيادية المتعارف عليها. إننا في مطالبتنا بالاتحادية السورية أو بسوريا واحدة اتحادية فإنه تعزيز وضمان لحكم الشعب نفسه بنفسه في المناطق السورية من خلال أصول دستورية وصلاحيات قانونية؛ يكمن أبرزها في حكم برلماني مركزي وبرلمان أقاليم أو مناطقي. هذه هي السيادة السورية. المشكلة السورية تكمن في منظومة الحكم الرئاسي شديد المركزية. وهذا هو التحدي الأكبر. إلى جانب تحديات أخرى قد تبدو أنها تهب في خارج البلد السوري، وجدت ضالتها في سوريا التي يجب أن تغادر المواقع الخطرة التي نحن موجودين في أتونها اللحظة، واجتماع الكرد ووثيقتها خطوة مهمة للمغادرة نحو أسلمها إنْ لم نقل أفضلها.

 

 

قد يهمك