بث تجريبي

إلهامي المليجي يكتب: أكراد سوريا يوحدون الصف لبناء وطن ديمقراطي

في زمنٍ تتصارع فيه المشاريع الإقليمية والدولية على رسم خرائط جديدة للشرق الأوسط، نهض صوت الكرد السوريين من قلب مدينة القامشلي، حاملًا رسالة مختلفة: رسالة وحدة، ونداء للحرية، وعهد بمواصلة النضال من أجل بناء سوريا ديمقراطية لا مركزية، تحترم تعدديتها، وتصون كرامة أبنائها جميعًا.

لم يكن مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي حدثًا عابرًا في مشهد مضطرب، بل لحظة تاريخية طال انتظارها، اختزلت مسيرة عقود من التهميش والقمع، وأعلنت بدء مرحلة جديدة عنوانها: الشراكة الكاملة في رسم ملامح المستقبل.

شهدت مدينة القامشلي، أمس السادس والعشرين من أبريل 2025، انعقاد مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي، بمشاركة واسعة تجاوزت 400 شخصية سياسية وعسكرية من مختلف مناطق كردستان سوريا والعراق وتركيا، إلى جانب حضور أميركي لافت عبر ممثلين عن التحالف الدولي.

اختتم المؤتمر، الذي طال انتظاره وأُجل مرارًا، ببيان ختامي يؤسس لرؤية سياسية كردية موحدة تدعو إلى بناء دولة ديمقراطية لا مركزية في سوريا، تضمن الحقوق القومية للكرد، وتصون كرامة كافة مكونات المجتمع السوري ضمن نظام ديمقراطي تعددي.

يمكن وصف هذا المؤتمر بأنه نقطة تحول مفصلية في مسار القضية الكردية السورية لعدة أسباب:

أولًا، للمرة الأولى منذ عقود، نجحت القوى الكردية المتنوعة -بما فيها المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية وشخصيات مستقلة- في الاتفاق على وثيقة سياسية موحدة، مما يدل على إدراك جماعي بأهمية التوحيد لمواجهة استحقاقات المرحلة الجديدة بعد سقوط النظام السوري.

ثانيًا، أكد المؤتمر التزام الكرد بوحدة سوريا، وهو موقف استراتيجي يقطع الطريق أمام اتهامات بالانفصال ويعزز مشروعية مطالبهم القومية في إطار سوريا موحدة.

ثالثًا، جاء المؤتمر مدعومًا بتأييد كردستاني واسع، إذ شارك ممثلون عن إقليم كردستان العراق وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب التركي، كما حمل المؤتمر رسائل دعم صريحة من مسعود بارزاني ومنظومة المجتمع الكردستاني، بل وحتى من سجن إمرالي حيث يقبع القائد عبد الله أوجلان.

على صعيد التقييم السياسي، يمثل المؤتمر تتويجًا لمسيرة طويلة من النضال والمقاومة خاضها أكراد سوريا، من كوباني إلى معركة التصدي لتنظيم داعش الإرهابي، وترسيخ تجربة الإدارة الذاتية. والأهم، أنه يؤسس لإطار تفاوضي جديد أكثر صلابة مع القوى السورية الأخرى، سواء المعارضة أو الإدارة الانتقالية المقبلة.

أما على صعيد النتائج المتوقعة:

- للقضية الكردية: يوفر المؤتمر أرضية قوية لانتزاع اعتراف دستوري بحقوق الكرد كشعب أصيل في سوريا، ويعزز فرص تحقيق مكاسب سياسية ثابتة بدلًا من الاكتفاء بإدارات محلية مؤقتة.

- لسوريا عمومًا: يسهم تبني صيغة الدولة الديمقراطية اللامركزية في تعزيز فرص بناء دولة حديثة تتجاوز نماذج الحكم الأحادي، وتفتح المجال أمام مشاركة كل المكونات القومية والدينية على قدم المساواة.

- للإقليم والعالم: نجاح الكرد في توحيد رؤيتهم ومطالبهم قد يسهم في استقرار شمال شرقي سوريا، ويحد من تدخلات القوى الإقليمية الساعية إلى تقويض التجربة الكردية.

ختامًا، لا تزال التحديات جسيمة. فالطريق إلى تحقيق هذه الرؤية يمر عبر حوار معقد مع قوى سورية متباينة، ومقاومة لضغوط إقليمية ودولية قد تسعى لإفشالها. لكن ما تحقق في القامشلي يثبت أن الحلم الكردي السوري بوطن ديمقراطي بات أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى.

...... نقلا عن بوابة فيتو

قد يهمك