تزامناً مع ذكرى مولده التي تحل في أبريل/نيسان من كل عام، نظم طلاب الفرقة الثالثة بقسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة دمنهور المصرية نموذج محاكاة عن سيرة ومسيرة المفكر والمناضل الأممي عبدالله أوجلان، التي سلطت الضوء على رؤي وفلسفة القائد "آبو" تجاه الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط، وكذلك قضايا رئيسية مثل المرأة.
أشرف على المحاكاة الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية التاريخ في جامعة دمنهور المصرية، بمشاركة عدد من طلاب الفرقتين الثالثة والرابعة بالكلية، وقد لاقت تلك التجربة إشادات واسعة لدى بعض ممن تابعوها؛ كونها تسلط الضوء على حياة أيقونة نضالية ومفكر صاحب كبير مثل عبدالله أوجلان.
تطرقت المحاكاة إلى محطات رئيسية في حياة أوجلان منذ دخوله سوريا عام 1979، حيث لم يكن يبحث عن ملجأ فقط، بل عن علاقات مع شعوب المنطقة وأرضية تساعده على إطلاق مشروعه النضالي والمسلح ضد الدولة التركية وقتها، بدعم غير مباشر من السلطات والشعوب الكردية والعربية في سوريا ولبنان وفلسطين، حيث أسس معسكرات تدريب، وأعاد ترتيب صفوف حزب العمال الكردستاني، وبدأ مرحلة من العمليات العسكرية ضد تركيا.
ولفتت المحاكاة إلى أنه مع الوقت، وتزايد نفوذ حزب العمال الكردستاني في تركيا والمنطقة، وتأثيره في التخندق مع شعوب المنطقة ونقل الكرد لموقع مؤثر، تغيّرت الحسابات السياسية، إذ تصاعد الضغط التركي على سوريا، واضطر أوجلان لمغادرة دمشق عام 1998، والتوجه نحو أوربا للبحث عن الحل السياسي، فبدأ رحلة شاقة من بلد إلى آخر، حتى تم اختطافه في كينيا عام 1999، في عملية شاركت فيها أجهزة استخبارات دولية، وانتهت بتسليمه إلى تركيا.
تطرقت المحاكاة كذلك إلي محاكمة أوجلان، ووصفت بعضاً من جوانبها، حيث كان داخل قفص زجاجي، وحُكم عليه بالإعدام، قبل أن يُخفف الحكم إلى السجن المؤبد، ومنذ ذلك الحين، وهو في زنزانته المعزولة بجزيرة إمرالي، ورغم ذلك ظل صوته حاضراً عبر بيانات ورسائل سياسية ومجلدات مهمة كتبها أوجلان كمرافعات لمحكمة الحقوق الأوربية، ليفاجئ أوجلان الجميع بدعوة السلام والمجتمع الديمقراطي بعد 26 عاماً، والتي تمثل مرحلة انعطافية كبيرة في تاريخ الكرد وتركيا والمنطقة، مؤكداً أن مرحلة جديدة يجب أن تبدأ.
وحول ما إذا كان نداء السلام نهاية مسيرة حزب العمال الكردستاني أم بداية تحول جديد يقوده أوجلان من خلف القضبان، انتقلت المحاكاة إلى استعراض السياق الذي ظهر فيه الحزب وكفاحه ضد اضطهاد الكرد، حيث أكدت أن عبدالله أوجلان لم يكن إرهابياً، كما تصفه تركيا، ولم يكن مجرد ورقة سياسية كما تعاملت معه بعض الدول، بل كان رمزاً لنضال شعبٍ حُرم من حقوقه، شعب عانى القمع والتهميش لعقود طويلة وتعرض ومازال لعملية إبادة جماعية فريدة.
أكدت المحاكاة في جانب آخر أن تركيا ترى أوجلانمجرماً، لكنها تتناسى الجرائم التي ارتُكبت بحق الكرد، المحظور عليهم لغتهم، وثقافتهم، وهويتهم،وتتحدث عن الضحايا الذين سقطوا بسبب الصراع، لكنها لا تذكر آلاف القرى الكردية التي أُحرقت، والمجازر التي ارتُكبت، والسياسات التي سعت لمحو وجود الأكراد من التاريخ.
أشارت كذلك إلى أن سوريا قد استخدمته كورقة ضغط ضد تركيا، صاحتضنته حينما كان يخدم مصالحها، ثم تخلت عنه عندما أصبح عبئاً عليها، فلم يكن دعمها نابعاً من إيمانها بعدالة قضيته، بل من رغبتها في تحقيق مكاسب سياسية على حساب نضال الكرد وتحقيق توازن مع تركيا.
وأشارت المحاكاة إلى أن أوجلان استطاع أن يحقق قفزه نوعيه ومختلفة في مفهوم القيادة والزعامه الكردية، وأثبت بعمله ونضاله وبمؤلفاته الفكرية العديدة التي ظل يبدعها حتي وهو داخل السجن ومنها مجلده مانيفيستو الحضارة الديمقراطية أن فلسفته التنظيمية والسياسية والمجتمعية أسهمت في تشكيل الهوية الكردية الحديثة والنضال من أجل حقوق الكرد والشعوب الأخرى.
من بين ما ركزت عليه المحاكاة أيضاً أن أوجلان أكد أهمية الديمقراطية والتعددية في حل القضية الكردية بصورة عادلة، فهو يري أن الحكومه التركيةوالحكومات الأخري يجب أن تعترف بالحقوق السياسية والثقافية والإقتصادية للشعب الكردي، وأن تتبني نهجاً ديمقراطياً شاملاً لتمكين الكرد من المشاركه السياسيه واتخاذ القرار.
وأشارت إلى أن أوجلان يتبني في الوقت الحالي أيضاً مفاهيم ومبادئ الحوار والتفاوض كوسيلة لحل النزاعات وتحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط.
بدوره، قال الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب – جامعة دمنهور، في تصريح له، إنه للسنة الثانية على التوالي في مادة قضايا تاريخية معاصرة نقوم بتنظيم محاكاة عن عبدالله أوجلان ضمن مجموعة من نماذج المحاكاة الأخرى مثل وعد بلفور وكارثة فلسطين، وشيخ المجهادين عمر المختار.
وأوضح أنه قد وقع الاختيار أيضاً على القائد عبدالله أوجلان لما له من تأثير على القضايا المحورية في الشرق الأوسط، وصاحب شخصية مؤثرة وفاعلة وإيجابية، وصاحب مشروع فكري لا يخص الكرد فقط ولكن يمتد إلى المنظومة السكانية بأكملها في الشرق الأوسط، وهو مفكر عميق وشامل ولديه أبعاد إنسانية راقية.
وأضاف أستاذ التاريخ أنه لهذه الأسباب السابقة جرى اختيار أوجلان، الذي رغم سجنه الممتد لأكثر من ربع قرن ازداد تأثيره، فضلاً عن تاريخه النضالي وسعيه الكبير للحصول على حقوق الشعب الكردي السليبة في 4 دول هي تركيا وسوريا والعراق وإيران، مؤكداً أن الطلبة الذين نفذوا المحاكاة أبدعوا للغاية في القيام بها، واستطاعوا نقل صورة شاملة عن هذا القائد والمناضل الكبير.
من زوايا العالم
من زوايا العالم
من زوايا العالم