في البلد الذي دعاه رئيسه قبل سنوات للانتقال للعيش فيه ونقل مقر شركته إليه، أُلقي القبض على بافيل دوروف، مؤسس تطبيق "تليجرام"، فور هبوط طائرته الخاصة في مطار لو بورجيه شمال باريس، بناءً على مذكرة صادرة عن محققين فرنسيين، ويأتي هذا الاعتقال وسط اتهامات بأن منصة "تليجرام" تُستخدم في أنشطة غير مشروعة، وهي خطوة اعتبرها البعض إشارة إلى توجه فرنسا نحو تضييق الخناق على منصات التواصل الاجتماعي.
صحف فرنسية فجرت مفاجأة حول سلوك قد يبدو محل تساؤل للرئيس ماكرون، حيث ذكرت أن دوروف قال للشرطة، خلال التحقيق، إنه جاء إلى فرنسا من باكو عاصمة أذربيجان تلبية لدعوة على العشاء من ماكرون ونفى قصر الإليزيه ذلك.
أثار اعتقال دوروف ردود فعل واسعة النطاق، ففي روسيا، حذر وزير الخارجية الفرنسيين من "ترهيب" دوروف، مشيراً إلى تدهور العلاقات بين البلدين، واعتبر رئيس مجلس النواب الروسي أن الاعتقال محاولة أمريكية للسيطرة على "تليجرام"، الذي يستخدمه نحو مليار شخص حول العالم. وفي الإمارات، أعلنت وزارة الخارجية أنها "تتابع عن كثب" قضية دوروف، وأكدت أنها تقدمت بطلب للحكومة الفرنسية لتقديم جميع الخدمات القنصلية له.
ملاذ الأمان وحرية التعبير
يُعرف "تليجرام" بأنه منصة أمان للمستخدمين المهتمين بحقوق الإنسان وحرية التعبير، بعيدًا عن القيود الحكومية، واعتبر الناشط الشهير إدوارد سنودن، اعتقال دوروف "اعتداءً على الحقوق الأساسية للإنسان في التعبير"، وشارك الملياردير الأمريكي إيلون ماسك هذا الرأي، محذراً من أن أوروبا قد تواجه مستقبلًا مظلمًا إذا استمرت في استهداف رموز التكنولوجيا.
مستقبل منصات التواصل
أثار الاعتقال مخاوف بشأن تشجيع الحكومات الأخرى على مقاضاة رؤساء شركات التكنولوجيا لعدم تسليم بيانات المستخدمين، ما قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ"التأثير المخيف".
في هذا السياق أشار مدير المناصرة العامة لمؤسسة الحقوق الفردية والتعبير آرون تير إلى أن تحميل المنصات مسؤولية محتوى المستخدمين يدفعها إلى توخي الحذر وإزالة أي محتوى قد يؤدي إلى مشكلات قانونية، حتى لو كان قانونيًا.
زوكربيرج الروسي (هكذا كان يطلق على رائد الأعمال الروسي- الإماراتي) الذي بينما كان يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الأربعين وجد نفسه في أزمة قانونية لم تنتهِ بإعلان الادعاء الفرنسي إطلاق سراحه، إذ من المقرر أن يمثل أمام المحكمة الفرنسية في القريب.
قصة نجاح وصراعات
ولد دوروف عام 1984 في لينينغراد ضمن الاتحاد السوفييتي، لكنه انتقل إلى إيطاليا عندما كان يبلغ من العمر 4 سنوات وعادت الأسرة إلى روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بعد أن تلقى والد دوروف عرضًا للعمل في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية.
أسس دوروف شبكة التواصل الاجتماعي فكونتاكتي أو VK، في عام 2006، الذي اعتبر النسخة الروسية من فيسبوك، وكان دوروف وقتها يبلغ من العمر 21 عاماً، وكان قد تخرج للتو من جامعة سانت بطرسبرغ.
ومنذ اللحظة الأولى في مشروعه الجديد بدا مؤمناً بالحرية الكاملة للمستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي حتى إن الأمر كلفه الدخول في العديد من النزاعات، ففي عام 2011، انخرط في أزمة مع الحكومة الروسية في سانت بطرسبرغ عندما طالبت الحكومة بإزالة صفحات السياسيين المعارضين بعد انتخابات عام 2011 لمجلس الدوما.
في 16 أبريل 2014، رفض دوروف علنًا تسليم البيانات الشخصية للمحتجين الأوكرانيين ضد الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، وكذلك رفض حظر صفحة المعارض الروسي أليكسي نافالني، وتصاعدت النزاعات بين وبين شركائه في المنصة انتهت بمغادرته منصب الرئيس التنفيذي لها.
ثورة في عالم التواصل
قبيل مغادرته روسيا في 2014 أسس تطبيق تليجرام الذي يسمح للمستخدمين بتبادل الرسائل ومشاركة الوسائط والملفات وإجراء مكالمات صوتية أو فيديو خاصة وجماعية بنظام التشفير من طرف لطرف.
بعد المغادرة أكد أنه ليس لديه خطط للعودة، وليحصل على جنسية سانت كيتس ونيفيس من خلال التبرع بمبلغ 250 ألف دولار، وفي يناير 2018، أعلن عن إطلاق عملة "جرام" المشفرة وقد جمعت ما مجموعه 1.7 مليار دولار من المستثمرين.
انتقل للعيش في الإمارات منذ 2017 حيث يقع مقر تليجرام، وأرجع أسباب اختياره الإقامة هناك لأن الإمارات مكان رائع، لحياديتها، وسهولة ممارسة الأعمال فيها، وسلاسة الإجراءات، وفاعلية النظام الضريبي، إضافة إلى البنى التحتية عالية المستوى، وحصل على جنسية دولة الإمارات في فبراير 2021.
دوروف دخل ضمن قائمة فوربس للمليارديرات في عام 2023، بثروة صافية قدرها 11.5 مليار دولار، وفي 21 يونيو 2018، منح اتحاد الصحفيين في كازاخستان جائزة لدوروف لموقفه المبدئي ضد الرقابة وتدخل الدولة في المراسلات المجانية للمواطنين عبر الإنترنت.
في عام 2018، حاولت روسيا حظر تليجرام، بعد أن رفضت الشركة التعاون مع أجهزة الأمن الروسية، واعتبارًا من يوليو 2024، أصبح لدى تليجرام أكثر من 950 مليون مستخدم نشط شهريًا.