بث تجريبي

العراق يفتح ملفاته الشائكة مع تركيا في زيارة السوداني المرتقبة

يتوجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا خلال الأيام القليلة المقبلة على رأس وفد حكومي رفيع المستوى في زيارة رسمية تكتسب أهمية استراتيجية بالغة في ظل التحديات الأمنية والإقليمية المعقدة التي تواجه العراق والمنطقة عمومًا.

ومن المقرر أن تتضمن الزيارة مباحثات معمقة حول جملة من الملفات والقضايا الداخلية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، تأتي في مقدمتها ملف التواجد العسكري التركي داخل الأراضي العراقية، وأزمة المياه المتفاقمة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

وتأتي هذه الزيارة المرتقبة في وقت بالغ الحساسية، حيث تشهد المنطقة ظروفًا أمنية متوترة واستمرارًا للتدخلات التركية في الشأن العراقي، لاسيما عبر التواجد العسكري المتزايد والتوغلات المتكررة في إقليم كردستان تحت ذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني.

وفي هذا السياق، أكد النائب علي البنداوي أن زيارة السوداني ستركز بشكل أساسي على ملفي المياه والتواجد التركي، مشددًا على أهمية هذه الزيارة في "تعزيز التواصل واستكمال الحوارات حول العديد من الملفات العالقة بين البلدين، لا سيما الاقتصادية والأمنية منها".

وأوضح أن رئيس الوزراء سيبحث "التداعيات الخطيرة لوجود القوات التركية داخل الأراضي العراقية، والتوغل في إقليم كردستان، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة على السيادة العراقية"، مؤكدًا أن "ملف ضبط الحدود سيكون حاضرًا بقوة على طاولة النقاش".

كما لفت البنداوي إلى أن "ملف المياه يُعد من أبرز الملفات التي يجب التركيز عليها خاصة في ظل الأزمة المتفاقمة التي يواجهها العراق خلال موسم الصيف والتي قد تؤدي إلى تفاقم مشكلة الجفاف"، مشيرًا إلى سعي الحكومة العراقية لضمان حصول البلاد على حصتها العادلة من المياه من الجانب التركي.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أشار إلى وجود "قضايا اقتصادية مهمة سيتم تناولها في الزيارة، خصوصًا في ظل وجود تبادل تجاري بين البلدين تبلغ قيمته نحو 20 مليار دولار سنويًا، ما يتطلب تنمية وتعزيز العلاقات الاقتصادية بما يخدم مصالح الجانبين".

من جانبه، وصف الباحث في الشأن السياسي هيثم الخزعلي زيارة رئيس الوزراء إلى أنقرة بأنها "خطوة مهمة، خاصة وأن المنطقة تمر بظروف أمنية معقدة تتطلب تنسيقًا عاليًا على مستوى القيادة".

وأشار إلى أن المباحثات ستركز على "الجانب الأمني، وفي مقدمتها ملف التواجد العسكري التركي داخل العراق، خصوصًا بعد أن انتهت مبررات هذا التواجد عقب إعلان حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح، إضافة إلى الوضع الأمني في سوريا وتأثيره على أمن الحدود العراقية".

كما أكد الخزعلي على أهمية "ملف المياه، لاسيما في ظل الجفاف الذي يواجهه العراق، وهو ما يستدعي تحركًا دبلوماسيًا جادًا لضمان حصة العراق من نهري دجلة والفرات"، مضيفًا أن الزيارة ستتناول كذلك "مشروع طريق التنمية الذي يُعد من المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين بغداد وأنقرة".

وتعد هذه الزيارة هي الأولى لرئيس الوزراء السوداني إلى تركيا خلال العام الحالي والثالثة خلال العامين الماضيين، حيث سبق أن زار أنقرة في نوفمبر ومارس من العام 2024، والتقى خلالها بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحث معه ملفات مماثلة.

وكان السفير العراقي في تركيا ماجد اللجماوي قد أكد في 2 أبريل الجاري على أهمية الزيارة المرتقبة، مشيرًا إلى أن المباحثات ستركز على "عدد من الملفات الاستراتيجية، أبرزها مشروع طريق التنمية الذي يعزز الترابط الاقتصادي ويؤسس لشراكة متينة بين العراق وتركيا، إضافة إلى ملفات الطاقة، والنقل، والتبادل التجاري".

وأضاف السفير اللجماوي "الزيارة تأتي في ظل تطورات إقليمية ودولية مهمة، ما يجعلها فرصة لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي"، مؤكدًا "حرص العراق على بناء علاقات متوازنة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل".

وفي سياق متصل، دعا سياسيون ومراقبون عراقيون إلى استثمار هذه الزيارة لتأكيد مواقف العراق الحازمة بشأن ضرورة إنهاء الوجود العسكري التركي في شمال البلاد واحترام سيادة واستقلال العراق، بالإضافة إلى إلزام تركيا بإطلاق الحصص المائية المقررة للعراق وفقًا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

وتشير تقارير إلى تضاعف الوجود العسكري التركي في شمال العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا في الأوساط العراقية التي ترى في هذه التوغلات انتهاكًا للسيادة الوطنية.

ويرى مراقبون أن زيارة السوداني إلى تركيا تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية تتجاوز ملفي الأمن والمياه، وتسعى إلى تعزيز الشراكة الثنائية على أسس متكافئة، مع تأكيد العراق على سياسته المتوازنة في المنطقة والضغط من أجل احترام سيادته الوطنية وإنهاء التدخلات العسكرية المباشرة.

ويبقى مصير هذه الزيارة ونجاحها مرهونًا بمدى استجابة الجانب التركي للمطالب العراقية المشروعة، وقدرة الطرفين على بناء تفاهمات طويلة الأمد تخدم الاستقرار الإقليمي وتعزز التنمية المشتركة، خاصة في ظل التحديات المائية التي يواجهها العراق والتي قد تصل إلى حد جفاف نهري دجلة والفرات بحلول عام 2040 وفقًا لبعض التوقعات.

ويعاني العراق منذ عقود من أزمة مياه متفاقمة نتيجة سياسات دول الجوار في إدارة الموارد المائية وعدم التزامها بالاتفاقيات الدولية، مما أدى إلى تدهور الأراضي الزراعية وزيادة معدلات التصحر، وهو ما يضع ملف المياه على رأس أولويات الحكومة العراقية في أي حوارات إقليمية.

وكان رئيس السوداني، قد أجرى زيارة رسمية إلى تركيا في نوفمبر الماضي التقى خلالها أردوغان، وبحث معه ملفات عديدة أبرزها تطوير العلاقات بين البلدين، وطريق التنمية، والوضع السياسي في عموم المنطقة.

وكان أردوغان أجرى في أبريل 2024، أول زيارة رسمية له إلى بغداد منذ أكثر من عقد وقع خلالها اتفاقات تعاون ومذكرات تفاهم، كما أجرى مباحثات حول قضايا شائكة أبرزها تقاسم الحصص المائية والصادرات النفطية والأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.

ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.

ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.

وكانت عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية ابتسام الهلالي أكدت، في 16 ديسمبر 2024، أن تركيا لم تلتزم بجميع الاتفاقات وكذلك المعاهدات التي وقعت بشأن إعطاء حصة العراق العادلة من المياه، داعية الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة مع الجانب التركي لاستحصال حقوق العراق المائية.

ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.

ووفقا لتوقعات "مؤشر الإجهاد المائي" فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.

انشرWhatsAppTwitter

قد يهمك