يواجه الملايين في السودان خطر المجاعة بسبب الحرب الدائرة في البلاد ناهيك عن الفيضانات التي عمقت أزمتهم والمجاعة والأمراض التي تفتك بالملايين.
وخسر عشرات الآلاف من السكان بشمال السودان منازلهم إثر أمطار وسيول قياسية ومضى أسبوعان دون أن تصل الخيام لإيواء الأسر المشردة وسط توقعات باستمرار هطول الأمطار وجريان الأودية.
وأفاد تقرير نشره موقع صحيفة "سودان تربيون" بأن السكان في ولايتي نهر النيل والشمالية أقصى شمال السودان اعتادوا فيضانات النيل المدمرة في السابق وعلى أمطار شحيحة دون أن تشكل خطرا على حياتهم وممتلكاتهم.
وصنف وزير الداخلية السوداني خليل باشا سايرين الأسبوع الماضي ولايتي نهر النيل والشمالية بالأكثر تضررا في خريف هذا العام.
ومن بين 68 حالة وفاة بسبب الأمطار والسيول على مستوى القطر منذ يونيو الماضي أعلن عنها وزير الداخلية، رصدت سودان تربيون من خلال تقرير ميداني في ولايتي نهر النيل والشمالية وصول حالات الوفاة بسبب الأمطار والسيول إلى 66 وفاة، طبقا للسلطات المحلية بالولايتين.
وعلى الأرجح تبدو هذه الإحصائية مرشحة للزيادة في ظل توقعات الأرصاد الجوية باستمرار الأمطار الغزيرة في شمال البلاد واستمرار انتشال جثامين المعدّنين في مناطق التنقيب عن الذهب من آبار التعدين المغمورة بمياه السيول.
مدينة أبو حمد
وتعرضت مدينة أبو حمد نحو 540 كيلومترا شمالي العاصمة الخرطوم ومجموعة الجزر التي حولها إلى أمطار قياسية في ليل الخامس من أغسطس بلغت 142 ملم صاحبتها سيول جارفة ألحقت أضرارا بالغة لأول مرة بخط السكة الحديد المشيد منذ نحو 120 عاما وبسوق المدينة القديم، لكن الأضرار بأحياء المدينة وخاصة حي القوز كانت جسيمة، بينما تبدت الكارثة بوضوح في جزيرة مقرات، خاصة في قرية أبو سدير داخل الجزيرة والتي اكتسحها السيل بالكامل مخلفا 3 وفيات.
ويذكر أهالي أبو سدير أن السيل الذي تعرضوا له لم تشهد المنطقة له مثيلا، مدللين بأن قلعة أثرية قرب ضفة النيل منذ حقبة المسيحية جرفها السيل ولم يحدث أن تعرضت لأمر مشابه.
ويروي السكان بالقرية قصصا مروعة عندما داهمتهم السيول ليلا حيث كانوا يتشبثون بالأشجار خوفا من الانجراف إلى النهر لأن منازلهم المشيدة من الطين لم تقوَ على مقاومة السيل.
بيد أن محنة المتضررين في أبو حمد أقصى شمال ولاية نهر النيل بعد نحو أسبوعين تتركز في عدم وصول أي مساعدات من الحكومة الاتحادية أو من المنظمات الإنسانية، رغم أن رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان وصل إلى المنطقة وتفقد المتضررين.
وحسب السلطات المحلية بأبو حمد تسببت الأمطار والسيول في مصرع 35 شخصا بالمحلية.
ومن بين المتأثرين بالأمطار والسيول بمحلية أبو حمد نازحون من الحرب فقدوا منازل آوتهم، منحت لهم بالإيجار أو على صعيد الهبة.
وتتزايد مخاوف الأهالي في مدينة أبو حمد والجزر المتضررة من الآثار البيئية والصحية المترتبة على الأمطار والسيول في ظل انتشار أنشطة التعدين وتباطؤ عمليات رش نواقل الأمراض وشفط المياه.
يشار إلى أن محلية أبو حمد تستفيد من ريع رسوم تفرضها على أنشطة التعدين الواسعة بالمنطقة حيث يوجد بها أكبر أسواق التعدين في السودان، وتضم نحو مليون شخص يعملون في التعدين والأنشطة المصاحبة.
ويقع سوق طواحين الذهب على بعد حوالي 20 كيلومترا شرقي مدينة أبو حمد ويمتد في مساحة 8 كيلومترات مربعة.
سيول تنقاسي
في ليلة العاشر من أغسطس صحت بلدة تنقاسي الواقعة على بعد حوالي 15 كيلومترا جنوبي مدينة مروي بالولاية الشمالية بعد منتصف الليل على صوت هدير سيل جارف شبهه الأهالي بالطوفان، لأن المياه حاصرتهم من السماء والأرض، حسب قولهم.
وسجلت تنقاسي أعلى الوفيات جراء السيول والأمطار بالولاية الشمالية، حيث تسبب سيل جارف اجتاح البلدة في 9 وفيات أغلبها بين الأطفال وبينها 4 وفيات من أسرة واحدة.
ويؤكد المدير التنفيذي لمحلية مروي محجوب محمد سيد أحمد أن السيول دمرت بشكل كلي أكثر من 700 منزل فضلا عن مئات المنازل بشكل جزئي وسط عجز كبير في الخيام ومواد الإيواء وأمصال العقارب والثعابين.
ويشير إلى أن المحلية تمتلك فقط نحو 50 خيمة فضلت توزيعها كمراكز في المناطق المتضررة لاستقبال المساعدات الغذائية.
المنطقة المنكوبة استقبلت مساعدات غذائية أغلبها تبرعات من الخيرين، وسط مطالبات للمتضررين بتوفير الخيام والأغطية قبل هطول المزيد من الأمطار.
وقالت وزارة الصحة بالولاية الشمالية في تقرير هذا الأسبوع إن ضحايا الأمطار والسيول في 96 منطقة بالولاية الواقعة في أقصى شمال السودان ارتفع عددهم إلى 31 حالة وفاة و179 حالة إصابة، فضلا عن 155 إصابة بلدغات العقارب.
وأشار التقرير لتعرض نحو 2350 منزلا و31 مرفقا حكوميا للانهيار الكلي وحوالي 4050 منزلا للانهيار الجزئي وأكد تأثر 6500 أسرة و32450 شخصا لأضرار بالغة بسبب الأمطار والسيول بينما وصلت حالات الإصابة بالتهاب ملتحمة العين الوبائي إلى نحو 1570 حالة.
ويعيش أكثر من 130 ألف شخص بالولاية الشمالية ظروفا صعبة إثر موجة أمطار وسيول نادرة من حيث المعدلات دمرت مئات المنازل والمرافق الحكومية.
الطبيعة والحرب
وخلال أغسطس الحالي ألحقت الأمطار أضرارا واسعة بولايتين في إقليم دارفور (غرب) هما غرب دارفور وشمال دارفور، وولايتين في شرق السودان هما كسلا والبحر الأحمر.
وتسببت الأمطار الغزيرة في فيضان وادي كجا بشكل غير مسبوق، كما تسبب سيل وادي باري في انهيار جسر مورني بمحلية كرينك بولاية غرب دارفور وهو جسر حيوي يربط بين الجنينة وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وأفادت تقارير بوفاة مسافرين غرقا أثناء محاولتهما عبور الوادي.
وتسببت أمطار غزيرة في خسائر طالت المنازل في مخيمات أبو شوك وزمزم ونيفاشا للنازحين في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وفي شرق السودان تسببت أمطار غزيرة مصحوبة بالرياح في مصرع 3 أشخاص في ولاية البحر الأحمر، خلال أغسطس الجاري.
وقبلها غمرت مياه الأمطار 3 مخيمات للنازحين من الحرب في ولاية كسلا، شرقي السودان، كما تسببت في وفاة شخصين.
وفي أواسط السودان شهدت محلية العزازي غربي ولاية الجزيرة أمطارا غزيرة ألحقت أضرارا بالمنازل والمرافق العامة.
وإلى جانب تسبب الأمطار والسيول في فقدان الأرواح وتدمير المنازل والمرافق العامة، فإنها تلحق الأضرار بالنشاط الزراعي خلال أوقات عصيبة يعيشها السودانيون في ظل الحرب ونقص الغذاء.
المجاعة تحاصر مخيم زمزم
ومع الظواهر الطبيعية التي ضربت السودان، يعاني مخيم زمزم في شمال دارفور من أزمة إنسانية حادة نتيجة للنزاع والحصار المفروض عليه، حيث يعيش النازحون في ظروف مزرية ويفتقرون إلى الغذاء والدواء والمياه النظيفة ويعانون من انعدام الأمن وقد أدى ذلك إلى تفشي المجاعة والأمراض، وارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل.
وتطرق النازحون لنقاط مهمة تشمل انعدام الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار والنقص الحاد في المياه الصالحة للشرب وتفشي الأمراض وسوء التغذية وانعدام الأمن وخطر الاعتداءات.
وفي 1 أغسطس الجاري، أعلن برنامج الأمم الإنمائي عن وقوع مجاعة في مخيم زمزم الذي يؤوي نصف مليون نازح، لكن السلطات السودانية نفت وقوعها وأرجعت نقص الغذاء في مخيمات النزوح إلى الحصار المفروض من الدعم السريع على الفاشر.
ويقع مخيم زمزم على بعد 11 كيلو مترا تقريبا جنوب الفاشر، وهو مقسم على 4 مراكز يطلق عليها A.B.C.D، حيث يقيم في المربع A النازحون الذين فروا من مناطقهم في 2004 في ذروة حملة مكافحة النظام السابق للحركات المسلحة.
وفي العام 2009 نزح سكان من مناطق مهاجرية ولبدو وشعيرية وخزان جديد ودار السلام وأبو دنقل جراء انعدام الأمن ليستقروا في القسم B في مخيم زمزم، فيما يقيم في القسم C نازحون من أبو دليك ومشروع ساق النعام وشنقل طوباي ودار السلام وعد البيضة حيث فروا من مناطقهم في 2013، أما نازحو شرق الجبل وأبو زريقة والملم فقد استقروا في القسم D خلال 2014.
إلى ذلك، وصل سعر كيلو اللحم في مخيم زمزم إلى 10 آلاف جنيه، وهو مبلغ لا يتوفر عند معظم سكان المخيم الذي يفتقرون إلى الدواء أيضا في ظل تفشي الأمراض الوبائية مثل الملاريا والإسهالات المائية.
وخلافا لأزمة انعدام الغذاء والدواء يشتكي سكان مخيم زمزم من انعدام الأمن في أطراف المعسكر بسبب الانتشار الكبير لمليشيات القبائل العربية المساندة لقوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش والحركات المسلحة في مدينة الفاشر.
وطالبت الأمم المتحدة بالعمل الفوري لوقف اعتداءات الدعم السريع في ولاية الفاشر وفتح الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية لمحاربة المجاعة خاصة في معسكر زمزم.
ويقيم النازحون في مخيم زمزم في أكواخ بُنيت من الطوب اللين والمواد المحلية مثل القش ما يجعلها هشة أمام الرياح الشديدة والأمطار التي تهطل بغزارة هذه الأيام، فيما يقيم آخرون في المدارس التي اكتظت مع فرار المزيد من الأسر من الفاشر.
ويشكل استمرار النزاع والحصار على الفاشر أزمة وجود لعشرات الآلاف من النازحين الأشد ضعفا وسط مخاوف من أن يحصدهم الموت جوعا واحدا تلو الآخر.