100 يوم تمر على سوريا والسوريين على سقوط بشار الأسد، إلا أن المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع (زعيم هيئة تحرير الشام)، لا تزال مليئة بالتحديات والأزمات، التي دفعت كثير من المكونات والفصائل إلى اعتبار الأمر حتى الآن كما لو كان تغيراً في الوجوه.
وتنوعت الأزمات التي عبرت عن الضبابية المحيطة بالمرحلة الانتقالية في سوريا، بين استئثار هيئة تحرير الشام على كافة المناصب، والجدل الذي أثير بشأن مؤتمر الحوار الوطني، وكذلك الإعلان الدستوري الذي وافق عليه "الشرع" مؤخراً، فضلاً عن المجازر التي طالت أبناء الطائفة العلوية في مناطق الساحل السوري.
خلال المرحلة الانتقالية كان واضحاً استئثار هيئة تحرير الشام بكافة المناصب وهيمنتها عليها، وكانت المفارقة أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع حين تم توجيه أسئلة له بشأن تلك الإشكالية اعتبر أن هذه ضرورة، وأنه أن يكون من يديرون البلاد الآن من لون واحد أمر من شأنه مساعدته على النجاح.
لكن مبرر "الشرع" لم يلقى قبولاً لدى كثير من الأوسط السياسية الداخلية والإقليمية، إذ أنه يتجاهل الحاجة الماسة في هذه المرحلة إلى أن تكون هناك عملية سياسية شاملة لجميع مكونات الشعب السوري، وأن تقرير مستقبل سوريا لا يمكن أن يصيغه فصيل بعينه على حساب الآخر.
وقبل أيام صدر إعلان دستوري جديد، لكن لم تخل هذه الخطوة من معارضة داخلية وخارجية طالبت بتوسيع العملية السياسية لتكون أكثر شمولية. فقد جاءت بنود الإعلان الدستوري لا تعكس حالة التنوع التي يقوم عليها المجتمع السوري بتكويناته المختلفة، خاصة عندما أتى نص غريب به يقول إن رئيس الدولة دينه الإسلام، وغيرها من النصوص التي لا تتماشى مع تطلعات بعض المكونات السياسية تجاه سوريا المستقبلية.
أيضاً واجه الإعلان الدستوري انتقادات من مراقبين اعتبروه لا يعبر إلا عن تيار الإسلام السياسي الذي يحكم تركيا، وأنه يعبر كذلك عن رؤية بعض الدول الإقليمية وليس السوريين مثل تركيا، وسط دعوات إلى ضرورة فتح الباب أمام نقاش سياسي ومجتمعي موسع مع مختلف الأطياف بشأن الإعلان الدستوري.
شهدت الفترة الماضية كذلك انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الآلية التي كان يعول عليها في التوصل إلى صيغ تفاهمية وتوافقية تحقق تطلعات جميع السوريين، وفي إطار التوجه نحو عملية سياسية شاملة تعبر عن جميع الأطياف السياسية والمكونات.
إلا أن انعقاد المؤتمر واجه انتقادات شديدة للغاية، لا سيما وأنه استبعد المكون الكردي في بنيانه الرئيسي الممثل في الإدارة الذاتية الديمقراطية بشمال وشرق سوريا، وكذلك قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي لعبت دوراً رئيسياً في القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي.
وسط الأزمات السياسية السابقة، أطل شبح الطائفية برأسه في مناطق الساحل السوري، عندما شنت مليشيات وصفت بـ"الشبيحة الجدد" هجمات على بعض القرى التي يقطنها أبناء الطائفة العلوية، وارتكبوا عدة مجازر باعتبار هؤلاء "فلول للنظام السابق"، على حد وصفهم.
وأثارت تلك الأحداث الدامية غضباً داخلياً وخارجياً، إذ رأى كثيرون أنه عكست الوجه الحقيقي للحكام الجدد في سوريا، الوجه الطائفي المقيت الذي دفعت سوريا في السابق ثمنه ثقيلاً، وسط تأكيدات على ضرورة مسائلة ومعاقبة المسؤولين عن هذه المجازر.
وفي الجنوب السوري، شهدت المنطقة توغلاً إسرائيلياً محدوداً، ما يشير إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في تلك المناطق، ورغم الأوضاع الأمنية الهادئة نسبياَ، تظل التحركات الإسرائيلية بمثابة مؤشر على استمرار التوترات.
وإلى جانب التدخلات العسكرية الإسرائيلية، يثار الجدل كذلك بشأن التدخلات التركية في سوريا، واعتبارها صانعة القرار الآن والأكثر تأثيراً فيه، لا سيما وأنها من قدمت كافة أشكال الدعم لهيئة تحرير الشام، ويتزامن ذلك مع ضربات تركية متواصلة على بعض المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال وشرق البلاد.
وخلال الفترة الماضية استمرت أزمة الدروز مع الحكومة الجديدة، حيث تصاعدت المخاوف من تهميش دورهم في المرحلة المقبلة واستئثار طرف معين بالسلطة، حيث شهدت العلاقة بين الدروز والنظام الجديد توتراً.
ويتوقع أن تستمر هذه الأزمة في ظل التلويح الإسرائيلي بتقديم الحماية للدروز ومنع الإدارة الجديدة من التقدم في عمق الجنوب السوري، لكن هناك تأكيدات أن السلطة الجديدة في دمشق لم تقدم تطمينات لازمة لهؤلاء.
من زوايا العالم
من زوايا العالم
من زوايا العالم