اعتبر المحلل السياسي البارز الهامي المليجي أن الاتفاق الموقع بين مظلوم عبدي (قوات سوريا الديمقراطية) وأحمد الشرع (هيئة تحرير الشام/الجولاني) يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قابليته للتنفيذ، في ظل التباينات العقائدية والفكرية العميقة بين الطرفين ، لافتا إلى أن الاتفاق يعكس تحولًا جذريًا، حيث باتت الولايات المتحدة اللاعب الوحيد الذي يحدد مستقبل سوريا وأن نقل مظلوم عبدي إلى دمشق بمروحية أمريكية يؤكد أن واشنطن ليست مجرد راعٍ للاتفاق، بل هي القوة التي تديره بالكامل.
وقال المليجي ، في منشور كتبه على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ، إن هناك مشروعين متناقضين فيما يتعلق بالأيديولوجيات حيث يمثل مجلس سوريا الديمقراطية (قسد) جناحًا سياسيًا ذو مرجعية ماركسية-اشتراكية، تؤمن بالمساواة الجذرية بين الجنسين، والإدارة الذاتية الديمقراطية، والتعددية الثقافية، وهو نهج مستمد إلى حد كبير من فكر عبد الله أوجلان ، فيما تنطلق هيئة تحرير الشام (أحمد الشرع/الجولاني) من فكر إسلامي سياسي متشدد، يتبنى رؤية دينية صارمة لدور المرأة والمجتمع، ويعتبر النظام السياسي قائمًا على أسس الشريعة الإسلامية وليس على فكرة الديمقراطية التعددية.
ورأى أن هذا التضاد يجعل محاولة الدمج بين مشروعين متعارضين أشبه بمحاولة مزج الزيت بالماء، حيث أن الفكر الأيديولوجي لكل طرف يتناقض مع الآخر في جذوره، وليس فقط في بعض التفاصيل الإجرائية.
وتوقف المحلل البارز أمام التناقض في دور المرأة بين الفصيلين حيث تعتبر (قسد) المرأة جزءًا أساسيًا من منظومة الحكم والإدارة وحتى القتال العسكري، لأن "قوات حماية المرأة" تمثل فصيلًا رئيسيًا في قوات سوريا الديمقراطية ، بينما ترى هيئة تحرير الشام دور المرأة منحصراً في التربية والأعمال المنزلية، ولا تعترف بمفهوم القيادة النسائية بأي شكل من الأشكال ، مشددا على ضرورة إعادة كل طرف صياغة شاملة لمبادئ كل منهما، أو أن أحد الطرفين سيتنازل عن ثوابته وهو أمر مستبعد.
وأشار إلى الموروث الثقافي الذي يمثل فجوة بين الكرد والعرب إلى جانب التناقض الفكري، لافتا إلى وجود فجوة ثقافية عميقة بين المجتمع الكردي الذي تمثله قسد، والمجتمع العربي الذي تتبناه هيئة تحرير الشام ، معتبرا أن للكرد تاريخا طويلا من الفكر السياسي والتنظيمات الحديثة ذات الطابع القومي والتقدمي، وهم أكثر ميلًا إلى نماذج الحكم اللامركزي.
وأوضح أن العرب في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام يتبنون نموذجًا أكثر تشددًا، قائمًا على رؤية دينية محافظة، مما يجعل فكرة التعددية والمشاركة السياسية أصعب قبولًا لديهم.
وأردف المحلل السياسي البارز إلهامي المليجي :"نظرًا لكل هذه التناقضات، فإن أحد السيناريوهات الأكثر ترجيحًا هو أن الاتفاق ليس سوى "هدنة مؤقتة" وليست صفقة استراتيجية طويلة الأمد" ، واصفا الاتفاق بأنه قد يكون خطوة براغماتية لاحتواء تصعيد محتمل، أو لاستيعاب ضغوط أمريكية تسعى إلى إيجاد تسوية سياسية في شمال سوريا.
وقال إن الهدف من الاتفاق قد يكون هو شراء الوقت لكلا الطرفين، دون نية حقيقية لتنفيذه بالكامل على المدى الطويل ، مرجحا أن تكون واشنطن قد فرضت هذا الاتفاق كجزء من ترتيباتها لإعادة رسم الخريطة السياسية في سوريا، لكنها تدرك أن التناقضات العميقة قد تعيق تطبيقه لاحقًا.
وشدد على أن البند الأخير في الاتفاق، المتعلق بتشكيل لجان تنفيذية حتى نهاية العام، يشير إلى إعادة هيكلة تدريجية للدولة السورية وفق رؤية أمريكية طويلة الأمد ، موضحا أن الاعتراف بقسد كجزء من الدولة السورية الجديدة، ما قد يمهد لنظام حكم لا مركزي أو فيدرالي ، بينما قد تكون تركيا العقبة الوحيدة أمام التنفيذ، ما قد يدفع واشنطن لمنحها ضمانات أمنية لاحتواء أي تصعيد.
وخلص المليجي إلى القول إنه مع وجود هذه التناقضات الجوهرية، يبدو أن الاتفاق بين عبدي والشرع يواجه عقبات بنيوية تجعله غير قابل للتطبيق كحل طويل الأمد. ما لم تكن هناك تسوية خارجية ترعاها واشنطن بشكل مباشر، وتفرض ترتيبات جديدة على الأرض، فإن تنفيذ الاتفاق قد يكون مجرد مرحلة انتقالية أو خطوة تكتيكية من الطرفين، متسائلا هل هناك طرف مستعد لتقديم تنازلات جوهرية لإنجاح الاتفاق، أم أنه مجرد استراحة مؤقتة قبل تصعيد جديد؟
من زوايا العالم
من زوايا العالم
من زوايا العالم